الرق هو حالة امتلاك إنسان لإنسان آخر، فصل قاتم في تاريخ البشرية. العبودية هي ظاهرة اجتماعية خطيرة عرفتها، تقريبا، كل المجتمعات. وكان التطرق إلى ظاهرة العبيد يعتبر من الممنوعات الكبرى التي ينبغي الابتعاد عنها، خصوصا في ثقافتنا العربية والإسلامية. مناقشة الظاهرة تنفض الغبار عن الاستغلالات الممنهجة والتوترات داخل المجتمع الواحد. لذلك اعتبرت من الطابوات التي يحظر الاقتراب منها.
وقد لوحظ حضور وحركية العبيد في المجتمع المغربي، في عهد السعديين وبداية العلويين، أفقيا، عبر انخراطهم في مؤسساته، وشغل المناصب الحساسة داخل الدولة، عموديا، ضمن تركيبته الاجتماعية والسياسية.
من العراقيل التي تعترض معرفة الظاهرة بعمق، غياب صوت العبيد، أو ما يسمى ب “الصمت التاريخي للعبيد”، خصوصا وأننا لم نتعرف عن الرقيق من خلال كتاباتهم، ولكن عرفناهم عن طريق الآخرين. فالعبيد، لسوء الحظ، لم يتركوا لنا تراثا عن أفراحهم وأقراحهم ونمط حياتهم وعلاقاتهم مع الآخرين. ولم يفضحوا الممارسات المشينة التي كانت ترتكب ضدهم، كخصيهم، وتجريدهم من فحولتهم وقدرتهم على الإنجاب، وبالتالي، حرمانهم من التواصل مع مجتمعهم.
من الأكيد، أن الأسلوب مع عناصر هذه الفئة الملونة تغير في عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل الذي كان يسعى إلى تكثير نسلهم وإعطائهم المناصب العليا في الدولة والجيش.
تكلمت المصادر عن العبيد داخل الجيش المغربي وعن أدوارهم وارتباطهم المباشر بشخص السلطان، ودفاعهم عن النظام القائم، وعن ثقة السلطان الكبيرة بهم، وأنهم كانوا قوة طبيعية بيده لقمع الثورات والفتن والعصيان المسلح المعلن ضد السلطة المركزية.
هذه الحقائق وغيرها تدفع إلى البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة التي أدت بالسلاطين المغاربة، في الفترة المدروسة، إلى تكوين جيوش أساسا من عناصر أجنبية -سود وعلوج- بذل المناداة، للخدمة العسكرية، على أبناء الوطن الأصليين، رغم أن الأمر يتعلق بأمن الدولة والبلد.
هل المسألة تتعلق فقط بالكفاءة والأهلية؟ أم بالثقة الصرفة؟ أم بالاقتصاد والتقشف؟
ونذكر بأن علماء المغرب والأعيان والحراطين، في وقته، عارضوا بقوة مشروع القصر بتجنيد الملونين. وفي المقابل، حاول السلطان العلوي كسر المعارضة باستعمال أسلوب الترغيب والترهيب بل والقتل، أحيانا، كما حصل للعالم الفاسي عبد السلام جسوس. كما كان على السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، قبله، أن يواجه بعض علماء عصره، كالفقيه المفتي أحمد بابا التمبوكتي، عندما قرر “غزو” مالي والمناطق المجاورة، واسترقاق المسلمين وغيرهم هناك.
حقيقة أخرى أثارت فضول الباحث وتتعلق بالبون الشاسع بين ما تحث عليه النصوص الإسلامية من عطف ومعاملة حسنة تجاه الرقيق، وبين الواقع المعاش لهذه الفئة المستعبدة.
وعلى كل، فقد كان طموح البحث هو سماع صوت العبيد وشكاويهم، وعن طريقهم التعرف على هموم ومعاناة فئات أخرى أكثر دونية.